حصاد الـ«جرانديزر»؟! (2)

حصاد الـ«جرانديزر»؟! (2)

< عدد أعيرة الرصاص التي استخدمها اليمني لقتل أخيه اليمني تفوق - على ما يبدو- عدد أعيرة النار التي استخدمت في الحربين العالميتين الأولى والثانية.
< ولو عملنا إحصائية سريعة الآن لعدد حروبنا الأهلية التي خضناها سنكتشف بسهولة أننا دولة استعمارية عظمى ضلت طريقها إلى المجد “وطحست” في بركة «الأقربون أولى بالرصاص».
< ما الذي يمكن أن نكابر به و كل هذه الدماء كافية لأن تجعلنا أضحوكة أو كشعب سخرة بين الأمم؟.
< في حقيقة الأمر لا قادة البلد ولا الأحزاب السياسية ولا زعماء القبيلة ولا رجال الدين (الذين لم يجرّموا حتى لمرة واحدة حمل السلاح) يستحقون الاحترام والرفعة.. جميعهم ساهموا في إحالة البلد إلى ثكنات عسكرية وإلى جنازات موتى ومشاريع للسيطرة والارتزاق و.. “طز بأبوها اليمن”.
< ماهذه البلد؟ لدينا أسلحة أكثر من لعب الأطفال ومعسكرات أكثر من الحدائق والمتنزهات وأحزاب سياسية أكثر من الملاعب الرياضية.
لدينا قادة عسكريون أكثر مما لدينا من تجار، وثارات وحروب أهلية أكثر مما لدينا من مصانع، وشيوخ قبيلة أكثر من المزارعين، ومحلات تبيع السلاح أكثر من محلات بيع الورد.(حلوة هذه محلات بيع الورد).
وفضلاً عن تلك الوفرة من “العُطالة” لدينا أيضاً قادة سياسيون «سلطة ومعارضة» ورجال دين غالبيتهم لا يصلحون لأكثر من أن تستخدمهم السينما كمشاهد في فيلم رعب. “وقلك من أين تأتي الحروب”؟
< وفي حين أننا شعب غير منتج أصلاً، زاد أرحم الراحمين أنعم علينا أيضاً برئيس «جرانديزر» لا يمل ولا يتعب وبوسعه أن يخوض بنا ثلاث إلى أربع حروب في وقت واحد وبتذكرة واحدة فقط . كما وأنعم علينا أيضاً بقيادات قبلية ولا حتى “رامبو” يستطيع أن يقول للواحد منهم: “ثُلث الثلاثة كام”؟
< المهم، لدينا كل تلك الوفرة من “الأسماخ” والأبطال ولكن ينقصنا، فقط، وعلى الدوام عدواً حقيقياً «ندسع أبوه» ومن ثم نغني لليمن ونحن رافعين رؤوسنا إلى السماء. وما من عدو حقيقي ينبغي أن نتفرّغ له جيداً غير الجهل و«الفرغَة».
< إن بلداً غير منتج لا يمكن له إلا أن يفُرّخ أبطالاً «فرغ بني فرغ».
تلك هي الحكاية بالضبط.. وذلك هو الأمر الذي جعل اليمن - تبدو على الدوام - بلداً هشاً وطافياً فوق برك من الدماء.
< ومع أننا شعب “سع” يوم الجن.. شعب تعدادنا قرابة الـ 24 مليون نسمة، لكننا اعتدنا دائماً أن نعيش محشورين وبقسوة في عبوات صغيرة، عبوة “علي عبدالله صالح”،عبوة “علي ناصر”،عبوة “علي محسن الأحمر”، عبوة “عبدالملك الحوثي”، عبوة “أولاد الأحمر”، عبوة “طارق الفضلي”.... إلخ!هذه عبوات صغيرة لكنها مدمرة وناسفة. وفي كل مرة، في كل حقبة من التاريخ لدينا عبوة نحتشر فيها كشعب ثم نلقاها تنسف أبو هذا البلد وتغادر ولا نتعظ أبداً.
< لا أقلل من شأن أحد أعلاه، أنا فقط أقول ما هو أكثر صواباً للبلد بعيداً عن حسابات الأشخاص، بعيداً عن الأحقاد والدم.
دهر مرّ من أعمارنا ونحن نخوض الحروب الخطأ ونحتفل بالانتصارات وبالقرارات الخطأ ونعتمد على الناس الخطأ والمشاريع الخطأ، وفي حين يتساءل كثيرون الآن : إلى متى يستطيع هذا البلد أن يبقى - بالكاد - واقفاً على قدميه؟ علينا جميعاً كيمنيين أن نقدم للعالم صورة أفضل من تلك التي جعلتنا على الدوام بلداً غير محترم.
< إننا بحاجة ماسة الآن لأن نعيد تشكيل فكرة الوصول إلى السلطة والجلوس فيها. وسيكون من المؤسف جداً لو أن الجماعة التي قوضت - حتى الآن - نشاط ثورة الشباب السلمية في ساحات الحرية والتغيير، لو أنها ظلت كما هي عليه الآن تقدم نفسها بذات الطريقة ونفس الأفكار ونفس الاقصاء ونفس الأدوات ونفس الرؤى الرتيبة التي لا تختلف كثيراً عما هو حاصل في نظام “صالح” المتهاوي أساساً.
< إننا بحاجة ماسة الآن إلى عقليات قيادية تنحو باتجاه الدولة المدنية الحديثة، البلدان لا تبنى بالجنابي والفتاوى والرصاص بل بالإنتاج وبفضائل المحبة والسلام.
< الأحقاد لا تورِّث غير الأحقاد، ومتى توفرت الحكمة والعقلية المُنتجة، هناك دائماً حلول أقل كلفة من الحرب.
< بعد دمار قنبلتي هيروشيما وناكازاكي سنة 1945أدرك اليابانيون جيداً أن الحرب سيئة ولا تبني بلداً على الإطلاق فتفرغوا للإنتاج. وأحالوا الجثامين إلى ذكرى سيئة وضعت في متحف صار من اللازم على كل طفل أن يزوره ليعرف أن انتصارات الحروب هزيمة خالصة، وأن أدخنة المصانع لوحدها هي التي صنعت قوة اليابان وأنستهم رائحة البارود.